في المسألة السوريّة: اللامركزيّة والبُعد الإقتصادي (٤-٥)..

في المسألة السوريّة: اللامركزيّة والبُعد الإقتصادي (٤-٥)..

Aug 02 2023


فاروق حجّي مصطفى

قبل الثورة، كلما كان يأتي الحديث عن اللامركزيّة، دار الحديث عن "التوزيع العادل للثروات"، وعندما كنت تتسائل من هم أنصار طلاّب اللامركزيّة وما هو سبب التركيز على هذا النمط من الحكم، كانوا يبررون بأنّ الناس بحاجة إلى التوزيع العادل لثرواتهم،
الأمر الذي دفع بالمرء للتفكير بأنّ أساس اللامركزيّة هو إقتصادي في وقت إنّ المطلب سببه التحرر من المركزيّة السياسيّة التي كانت سبباً مباشراً لعدم وجود حياة سياسيّة وغياب "رأي عام " مؤثر.

والحق إنّ دوافع مطلب اللامركزيّة متنوعة ومتعددة، فالمناطق المهمّشة كانت تحلم بتوزيع الموارد بشكلٍ عادل، بمعنى من المعاني إنّ الإستحقاق هو التنمية، والمناطق التي هي غنية بالثروات ولا سيما في المناطق الكُرديّة والجزيرة وكون هذه الثروات تُصرَف أو تستثمر في المناطق البعيدة عن منطقتهم، وإنّ الثروات لدى مناطق المركز أو القريبة عن المركز ( مثل الغاز في القريتين بالقرب من حمص) لا تعكس فوائدها بشكل مباشر على الناس في الجزيرة والمناطق الكُرديّة، سرعان ما أدّى لسماعنا بـ"التوزيع العادل للثروات"، وهذا يمكن اسقاطه على الاقتصاد السياحي والمدن الساحلية، ومناطق الاقتصاد الموسمي كجنوب سوريا.

بالمقابل إنّ مطلب اللامركزيّة حزبيّاً مصدره غياب المشاركة السياسيّة، وتغييب المكون القومي عن المشهد السكاني ما يعزز أحقية الطلب إلى اللامركزيّة السياسيّة ذات بُعد توزيع الصلاحيات على مستوى المركز، وأيضاً الأطراف( ولايات، محافظات، مقاطعات سكانية جغرافية)..الخ.

استطراداً فإنّ السوريين والسوريّات يمكنهم التمعّن إلى اللامركزيّة من خلال معطيين:
-أحدهما تاريخي وله بُعد دستوري، الأمر الذي يمكّن الحديث عن الميراث في اللامركزيّة ( دستور ملك فيصل ١٩٢٠).
-والثاني على المستوى الإداري متعلق بالجباية، إذ تم إعفاء سكان المحيط بمنطقة الفيجة من دفع فواتير المياه كون إنّ مصدر المياه من منبعها، وهذا ما لم تطبق في الجزيرة وديرالزور والرقة ومنابع النفط في تلك المناطق، وحتى لم يستفيد سكان تلك المناطق من "قطاع الأيد العاملة"!.

في العموم إنّ بلد كسوريا وكون الناس فيها عاشوا لعقودٍ من الإقصاء والغبن بسبب حصر كل القرارات السياسية والادارية لدى المركز، فإنّ اللامركزيّة هي الحل ويمكن من خلال "جبر ضرر " وتعزيز الشراكة السياسية الحقيقية بين المكونات السورية قومياً كانت أو سياسيّة أو حتى ثقافية، ولا نستغرب إنّ هذا الأمر يتحقق من خلال:
-تبني تقنيّة التمييز الإيجابي قومياً وسياساً.
-ومن خلال تأهيل البنية التحتية والتمكين الإداري على مستوى المناطق التي هُمّشَت.

بقي القول، إنّ فحوى كلامنا في هذا النص إعتُمد على معطيّات ما قبل الثورة وعند الحديث عن معطيات ما بعد الثورة فإنّ حجة طلب اللامركزيّة تصبح أقوى وذلك لأننا سنتحدث عن وحدة البلاد وإستقلاله!.
يتبع..