دروس دستورية في مقابلة الرئيس بارزاني مع

دروس دستورية في مقابلة الرئيس بارزاني مع"مونتي كارلو"..

Mar 03 2024

فاروق حجّي مصطفى
الكل يعلم إنّ الرئيس مسعود بارزاني الذي كافح و جاهد أن يكون دستور العراق في ٢٠٠٥ دستوراً يحقق تطلعات الشعب العراقي بمختلف مكوناته، دستور يؤسس للشراكة الحقّة بين المكونين القوميين الكُرديّ والعربي، ويرسم طريقاً للمشاركة السياسيّة الفعلية من خلال دسترة حقوق الأقليات،أو لنَقُل المكونات؛
وذلك بعد عقود من القمع البعثيّ، وحرمان المكونات العراقيّة [المادة (٣) من الدستور العراقي] من تقاسم السلطة، والحق في توزيع الثروات.
كان واضحاً إنّ مآلات شعب كُردستان، وعبّر النخبة السياسيّة من خلال تركيّزها لدمقرطة العراق واتحاده وتعزيز شكل الدولة الفيدرالي، ونظام الحكم البرلماني؛
وتجدّر الإشارة إنّه عند تحديد شكل النظام وهذا يعني ودون جدال إنّ النظام الذي سيحكم هو النظام الذي تم تحديده، وعندما نقول إنّ شكل النظام في العراق برلماني [المادة (١)-المبادئ الأساسية من الدستور] يعني إنّ اليد الأقوى هو البرلمان وليس أي سلطة أخرى؛
من قرأ وسمع كلام الرئيس بارزاني، يحبس بكائه ليس لإنّه ثمة تطاول من قبل السلطة تجاه السلطات الأخرى بقدر ما إنّ المتابع يدرك مدى خطورة هذا المنحى من ممارسة السلطة اي المحكمة الإتحادية والذي يختصر وظيفته التفسير وليس التشريع؛ إلا إننا بالفعل أمام انهيار النظام كان في إطاره العآم ديمقراطي [المادة (٢)، من فقرة أولاً(ب) من الدستور العراقي] .
ولعل الديمقراطيات تظهر من خلال أمريين أساسيين:
١-فصل السلطات؛ ٢-وحق المشاركة السياسيّة.
في فصل السلطات لا يمكن الحديث عن هذا الفصل من منظار العقل الدستوري في الستينيات من القرن المنصرم؛ ونحن نتحدث هنا عن فصل السلطات العامودي والأفقي، بمعنى نتحدث عن عدم جواز تطاول سلطة على سلطة أخرى [المادة(١٩) -الباب الثاني/الفصل الأول من الدستور]، والحفاظ على التوازن بين السلطات هي سمة الأنظمة الفيدرالية، والفصل بين المركز والإقليم، وهذا يعني إنّ السلطات الأساسية لها صلاحيات حصرية مدسترة وكل شيء غير ذلك من صلاحيات الإقليم، وهنا يمكن الحديث عن عدم دستورية كل ما يصدرعن المحكمة الاتحادية بخصوص الصلاحيات [المادة(٩٣) من الدستور]؛
وأما بخصوص حق المشاركة السياسيّة، فالدستور العراقي يضمن حق المكونات في المشاركة في المؤسسات السياسيّة، وما تم ممارسته في كُردستان كان منسجماً تماماً مع مضامين الدستور العراقي، فإلغاء حق المكونات والتدخل غير الدستوريّ في صلاحيات الحكم المسنود دستوريّاً من قبل المحكمة الإتحاديّة يعني إنّنا أصبحنا أمام واقع إقصائي لم تشهد المنطقة هذا الشكل من الحكم.
الأمر خطير ليس للعراق فحسب، إنما لكل المنطقة فهناك عدد من الدول العربية في حالة صياغة دساتيرها، وبالتالي إنّ ما يجري في بغداد من قرارات لها تبعات ستنعكس سلباً على مستقبل التعايش والشراكات بين المكونات والشعوب في المنطقة، ويمكن حصر ذلك بنقطتين:
أ-إنّ السكوت على هذه القرارات مع الزمن ستكون هذه القرارات بمثابة "السوابق القضائية"؛
ب-وإنّ السكوت يعني إننا أمام قرن من النزعات بين القوميات السائدة والأقليات.
في الختام، إنّ ما يجري في العراق خطير، ليس على مستوى بين النظام العام في بغداد وبين كُردستان فحسب، إنّما أبعد من ذلك فإنّ القرارات تُصدر كما لو أنها تضع حدوداً لديمقراطية الحكم المحلي وحتى حدوداً للسلوك الديمقراطي.
شكراً سيدي الرئيس على خطابك الذي لا يقف حدوده في اطار الدفاع عن حقوق الدستوريّة لإقليم كُردستان إنّما دفاعاً عن الديمقراطية وحقوق المكونات، وإنّ خطابكم درس وعبرة لنا جميعاً خاصةً إنّ دولنا في مرحلة بناء الدساتير الجديدة.