في المسألة السوريّة: اللامركزيّة السياسيّة توحد البلاد (٥-٥)

في المسألة السوريّة: اللامركزيّة السياسيّة توحد البلاد (٥-٥)

Aug 10 2023

فاروق حجّي مصطفى
تحدثنا في الحلقات السابقة عن عدد من أوجه اللامركزيّة، وأبرزنا التحديّات والثغرات، وأشرنا بشكلٍ واضحٍ إلى إنّ اللامركزيّة هي الحل، بحكم الواقع السوري، وتفكك جغرافياتها، وتوزع سيادتها بين ما هو خارجي، وما هو داخلي في وقت إنّ الحديث عن السيادة في المسألة السوريّة حديث غير منطقي من كل الجوانب.

من جانب الشعب هو المصدر، ومن جانب وظيفة سلطة القهر، ومن جانب عسكرة البلاد، ومن جانب فقدان السيطرة على المعابر السياديّة ومن عجز الحكومة على كافة الأراضي السورية، والإنتخابات غير كاملة وتفتقد المعايير.. الخ.
وأنا أدون هذه القصقوصة خطر ببالي "رسائل الفيدرالية"، تحديداً مناقشات هاملتون، وماديسون وكيف ساهما في بلورة الصورة الفيدرالية للكونفدراليات الأمريكيّة، ولذلك سميا بـ"آباء الفيدرالية ".

أستطراداً.. فإنّ الحديث عن الفيدرالية أو اللامركزيّة فرضه الواقع المتحكم بسوريا الآن، عدا عن أسبابٍ موضوعيةٍ أخرى كالتعدد والتنوع القومي؛ فالوضع السوريّ الآن يحكمه ثلاث سلطات محليّة، وفي عدد من المحافظات دور المؤسسات الحكومية فيه هش، ما يعني إنّ مبررات الحكم ضعيفة وإنّ سنوات الحرب أنتجت استحقاقاً جديداً لسوريا، وأهم أستحقاق هو كيفية توحيد البلاد وصون استقلاله.

في العموم ليست سوريا الوحيدة في هذا المسار، فاللامركزيّة تُطرح الآن في ليبيا، واليمن، وكما طبقتها تونس.
تُرى أي شكل من أشكال الدولة سيكون مقبولاً لدى جميع الأطراف وربما يصبح محورتوافق ويفتح الآفاق نحو حلول مستدامة لكل القضايا؟!

في الواقع هناك عدد من الطرق لتوحيد البلاد، هناك الاتحاد بالتفكك، والاتحاد بالتجمع، ونوع اللامركزيّة الأخرى يُسمى بـ "اللامركزيّة المعقدة"، وهو تصنيف جديد في القانون الدستوري كما الديمقراطيّة التوافقية إضافة مهمة في المسألة الديمقراطية!

فالاتحاد بـ "التجمع" لا يمكن الحديث عنه لأنّ هذا النوع خاص بتوحّد الدول، وإنّما الاتحاد بـ"التفكك" هو الأنسب، لأن ما نتحدث عنه هو ليس الدول، إنّما السلطات المحلية التي فرضتها الظروف السوريّة ولذلك من السهولة بمكان الحديث عن توحيد البلاد من خلال بناء توافق سياسي وربط هذه السلطات ببعض لبناء مركز من خلال توزيع الصلاحيات بشكلٍ متوازن لما هو للمركز وما هو للحكم المحلي!

بقي القول إنّ الحديث عن هذا النوع من اللامركزيّة لا ينبع من كونه نظري بقدر ما إنّ حاجة السوريين والسوريّات ومن المكونات السياسيّة والقومية والدينية والمذهبية مختلفة، وهنا لا نتحدث عن شكل الدولة بقدر ما نتحدث عن تصميم لشكل الدولة يعطي الصورة الحقّة لهوية سوريا ومجتمعاتها، وكل هذا يتم عبر تفعيل الحوار والايمان ببناء التوافقات على مستوى الحل وعلى مستوى الاستقرار المستدام.