في المسألة السورية: هل اللامركزيّة حل؟(1-5)

في المسألة السورية: هل اللامركزيّة حل؟(1-5)

Jun 23 2023

فاروق حجّي مصطفى
من الصحيح القول بإنّ المركزيّة السياسيّة الشديدة الوطأة كانت سبباً أساسياً لحدوث الأزمة لسنوات تلت الربيع السوري.
ومن سوء الحظ إنّ مركزيّة الحكم طيلة العقود باتت أكثر فعاليّة في فترة ما بعد الحراك، إذ هذه الذهنيّة لم تفكك بالقدر ما إنها عاصيّة أمام الأعتراف بالتحولات التي حدثت في سوريا. ولعل السبب المباشر لهذه النظرة من قبل النظام يعود في أساسه إلى الدستور.
فالدستور السوري منذ بداية السبعينيات إلى الآن يرشد باستبدادية ومركزيّة الحكم لا إلى تداول السلطات وبناء استراتيجياتها تبعاً للمصلحة العامة، وعلى الإستحقاقات تجاه السكان، ونستخدم هنا مفردة السكان لأنّ مفاعيل تقنيات ممارسة الحكم لم تنحصر في حدود المواطنين السوريين فحسب إنما حتى اللاجئ في اراضيها والزائر وأيضاً المكتومين والمكتومات، وضحايا الإحصاء الاستثنائي.

ومع دستور ٢٠١٢ تبيّن إنّ إزالة البند المتعلق بقيادة البعث لا تحرر البلاد من الاستبدادية ومركزيّة الحكم إنْ لم تُحدث التغييرعلى مستوى بنيّة الدستور.
ولا نستغرب إنّ الحالة السوريّة لا تترقّع بمرسوم أو قانون ما ، ولا سيّما كصدور مرسوم (107)لأنّ أس المسألة في الأمرين:
الأول: دستوريّة بمعنى إنّ الدستور يرشد ويؤسس، وتاليّاً اصدار التشريعات والمراسيم والتعليمات التنفيذية يأت انسجاماً مع الدستور وجواباً لأسئلة الحياة العامة.
والثاني: ذهنيّة، فطبقة الحكم هي طبقة عقائديّة مؤسسة على منهجية الشموليّة، أي اختزال الكل في الفرد والأطراف في المركز.
والحال، إنّ حاجة سوريا إلى اللامركزية الحكم لا تتعلق فقط بتحرير الدولة والمجتمع من المركزيّة بقدر ما إنّ سوريا بنفسها حتى تتعافى عليها أن تكون شكلها لا مركزي، وذلك لأنّ سؤال اللامركزية يُطرَح لكل دولة تخرج من الحرب.
ولأنّ مجتمعها مجتمع متنوع من حيث الهويّة، والطبيعة الجغرافيّة.
ولأنّ مصادر العيش متباينة، وطبيعة الموارد الاقتصادية مختلفة وهذا ما يستدعي أن تكون البرامج مختلفة، وأن يلعب المجتمع المحلي دوراً في رسم مستقبلها.
ولأنّ المجتمعات المحليّة تحتاج إلى المشاركة السياسيّة، وهذا يعني إنّه على دولة فتح المجال وتتحمّل مسؤولية إرتقائها؛
ولأنّ القضايا السوريّة المعلقة لا تختصر على مستوى العيش بقدر ما جوهر القضايا هي سياسية-قوميّة.
في العموم لا يمكن تناول كل القضايا في هذه القصقوصة، سنتناول ابرز الأفكار في مركزيّة ولا مركزيّة الدولة الحكم في الحلقات القادمة.