السياسي والصحافي..

السياسي والصحافي..

May 06 2021

علاء الدين زيات_ syria press_ أنباء سوريا
مثل الكثير من مفاهيم المنتج المجتمعي الخام غير الناضجة، ومثل الكثير من محددات الهوية للجماعات الثقافية في بيئتنا المحلية والتي نَصِفها عادة بالهلامية، تبدو المسافة بين السياسي والصحافي غير قابلة للقياس بمعنى عدم وجود سمة خاصة تعرِّف معنى الصحافي في عنوان مختلف عن السياسي.

وبالتعريج على العديد من النماذج التي تملأ الفضاءين العام والافتراضي نتحسس هذا المزج الذي يتيح للصحافي مرونة الانخراط بالسياسة، بمعناها الحزبي المرتكز لبرنامج غالباً محشو بإيديولوجيا متزمتة، وافتراقه عن هوية الصحافي المنخرط بكليته لتبيان مزيد من الحقائق واكتشافها مع جمهور القراء.

لا يعني ما سبق ادانة للفعل السياسي أو المنظومات السياسية وكيل مديح للصحافي وتصويره ملاكاً، الإدانة هنا تنال هذا القفز على الحبلين لأنه في الحقيقة إنكار للهوية الثقافية للجماعات الثقافية (صحافية أو سياسية) ومن جهة أخرى تغدو الحقيقة المتاحة – وهي منارة الصحفي – هي فقط ما يجعل من الايديولوجيا الحزبية مادة للتسويق تحت عناوين الحقيقة التي لا يطالها شك. “الصحافة تسقط في لحظة تخليها عن الشك”.

السلطة الرابعة والتي تدل بجلاء على استقلاليتها في فعل الرقابة على الثلاثة الذين سبقوها، تسقط تباعاً في فخ شراكة غير نزيهة، عبر صحافيين وصحفيات ينتقلون خطوة بخطوة إلى الساحة السياسية ليجدوا أنفسهم في لعبة معقدة، إذ تبدو الرقابة على الفعل السياسي ونقده وتعرية انتهاكاته مربكة فيما لو اندمج ذلك الصحفي في المطبخ السياسي وبدأ يحضر أطباقه الخاصة فيه كسياسي، الشيف الجديد هنا لن تهمه الحقيقة حول رعونة مذاق ما يقدم للناس، هو أحد أولئك “المبدعين” في فن الطبخ.

ماذا إذن هل هناك حرمة الاشتغال بالسياسة على الصحافي؟

أليس ذلك عملاً متعسفاً وخارج أي منطق؟

أعتقد أن الجواب هنا لن يكفي بنعم أو لا، ولا يمكن تبويبه تحت إطار الفعل الفردي الشخصي للعاملين في مجال الصحافة بل لا بد من عرضه في سياق تطور الجماعة الثقافية، كجزء مكمل من مجمل التطور الاجتماعي، ولا أعتقد أن البلاد المنكوبة بحروب وإرهاق كامل تملك الحق في تبرير العجز عن تطوير تلك الجماعات بل يجب النظر الى القضية بالتضاد أي أن مخرج تلك البلاد يتأتى لزاماً عبر هذا التطوير، ولا بأس أن نقول بل مخرجها الوحيد.

لا فعل خارج مفهوم السياسة، لذلك لا صحافة أو عاملين في الصحافة دون مستوى تأهيل سياسي وحتماً بنى ثقافية توازي ذلك، مشكلة ثلة من صحافيين محليين جادين تداخلوا مع البنى السياسية من خارج أدوات النقد هو في التخندق، التعامل مع الحقائق من وجهة وظيفية بحتة، والنظر لمختلف القيم الإنسانية وفق خدمتها للإيديولوجيا سواء كانت حزبية أو بأي مظهر آخر يجعل الصحافي يعتقد أن القيم يمكن أن توظف في الدعاية لا أن تكون معيارية.

وبالمقابل مطلوب من السياسي أيضا، الدفاع عن خصوصيته كجماعة ثقافية لديها مشروع وتحالفات ولا يجد في علاقته مع الصحفي خطراً بل نوع من استقراء ردود الشارع العام، ليدرك المسارات والمقاربات الأعلى من حيث الانتاجية، يجب تعلم الانصات بدل الرشوة، والحوار بدل القمع، والنقد بالبدائل بدل الصراخ عن مؤامرة.

هذا التداخل بين السياسي والصحفي ليس سمة ثالثية فقط بل ما تزال دول عريقة في الحريات والصحافة تبدي هويات ملتبسة حول الدورين ولكن في بيئتنا تكاد تصبح الظاهرة جائحة عامة. وهي تنذر بسوء انتاج سياسيين دون مستوى الفعل السياسي وصحفيين دون مستوى الفعل النقدي المطلوب.

في المركز العميق لكل هذا الفعل ثمة مسألة الحريات، فهي ضمانة فعل صحافي محمي من عسف السياسة، وضمانة فعل سياسي محمي من التصيد والتشهير خارج الوقائع، ولا يبدو ذلك ممكناً دون مزيد من تبلور الجماعات الثقافية سواء هنا أو هناك، وأيضا يمكن أن نكرر من جديد أن مسألة الحريات رهن هي أيضا بتطور ونضج هذه الجماعات، فالبيئة الهلامية دوماً بيئة خصبة للديكتاتورية والعبث والفوضى وفقدان الملامح.
المصدر: أنباء سوريا