الجمهورية الكرديّة
مها حسن
في حديث مع صديق روائي عربي لا يمت بصلة إلى السجالات المتعلقة بالتخوّف العربي من المطالب الكردية، وفي سياق جاد، قال لي: لا أفهم أين تكمن المشكلة في تشكيل كيان كردي مستقلّ في سوريا، بل أين المشكلة في حال تأسيس فيدرالية في سوريا، حتى لو أنّ سوريا صارت الجمهورية الكردية، أين المشكلة، في حال عاش في ظلّها الجميع، من عرب وأكراد وباقي المكونات بسلام وأمان، ماذا يهمّ الناس، التسميات الشكلية أو العيش الحقيقي اليومي؟.
بطريقة ممازحة، رحتُ أتخيّل مع الصديق مستقبل الجمهورية الكردية، تخيّل يا أخي أن تتحوّل سوريا إلى جمهورية كردية، تُفرض فيها اللغة الكردية على الجميع، ويُعاقب أي مواطن عربي يتحدّث بالعربية، ويُمنع من الدراسة والتعلّم باللغة العربية، ويُصفع أي تلميذ عربي غضّ على مقاعد المدرسة، إن تحدث بالعربية.
أوقفني صديقي العربي قبل أن أكمل حديثي التخييلي الفانتازي الذي لن يحدث أبداً، ولا يمكن حدوثه، لسببين رئيسيين: أنّ مشروع “الجمهورية الكردية” أمرٌ ستسعى جميع الأطراف في العالم للوقوف ضده، وأنّه لا يمكن للكرد، الذين عانوا من الشوفينية والتمييز ضدهم، أن يمارسوا الأمر نفسه، ولا حتى ضمن حدود المخيال الأدبي.
أوقفني صديقي عن الكلام، مازحاً: إذن من الأسلم لنا أن ندافع عن الفيدرالية في سوريا، والقبول بدولتين عربية وكردية معاً، حتى لا نتعرّض للاضطهاد من قبل الكرد، فيما لو تأسست الجمهورية الكردية.
صديقي الروائي السوري العربي، المبتعد عن السجالات الفارغة، والمنعزل عن المشهد المزدحم بالحقد والكراهية، قال لي دون دعابة هذه المرة: صدقيني لو تأسس كيان كردي مستقل في سوريا، وعاش في ظلّه العديد من الطوائف والإثنيات والقوميات، سأذهب شخصياً لأعيش في ذلك المكان. لا يهمني من يحكم سوريا، أن يكون كردياً أو عربياً، أو من أي طرف آخر، يهمني نظام الحكم الذي يحقق الأمان والديمقراطية والعدالة لجميع المواطنين.
كروائيّة، تخيّلت أن أبني روايتي القادمة على هذه الفكرة: “جمهورية كردية يتحدّث فيها المواطنون بعدّة لغات”. محاولة إيصال فكرة الأذى النفسي وحجم الضرر الذي يحمله الكردي مهما كبر وابتعد عن المكان.
تجمعني علاقات عميقة وقوية مع كثير من النساء والرجال الكرد القاطنين في الشتات، ولكلّ منهم حكاية تستحق بمفردها أن تكون مشروع كتاب مستقل، ليقدم للعالم عامة، وللسوريين خاصة، حجم الشعور بالمهانة والتمييز والنبذ الذي يعانيه كل منّا. لهذا ربما أحاول وضع القارئ المحايد، الشريك العربي تحديداً، في عمق المعاناة الكردية، ليدرك خطورة أن يُباد أحدنا مادياً ومعنوياً، لأنّه من أصول مختلفة.
في سوريا، وفي باقي بلاد المنطقة، اعتادت شعوبنا اغتيال الآخر الذي يفشل في التماهي مع نظرتنا وتقييمنا، الآخر الرافض للدخول ضمن قوالبنا التي نعتقد أنّها الأصحّ والأهمّ والجديرة بالتعميم والتطبيق.
شعوبنا هذه، متماهية مع شخصيّة الأخ الأكبر “بيج براذر” ،النموذج الشهير في رواية جورج أوريل، والذي تتحدّث روايته عن سلطة هذا الأخ كحاكم مستبد، لكن أوريل لم يتخيّل أنّه في بلادنا نحن، في الشرق الأوسط والبلاد العربية التي وُلدنا فيها، فإن كل منا، يحمل بذور الأخ الأكبر في داخله، ليحاول القضاء على أي آخر لا يشبهه ولا يمتثل لصورته المطلوبة.
اليوم، انتقل الكثير من السوريين، من عرب وأكراد، إلى العيش في بلاد الغرب، ويطّلع هؤلاء يومياً على تجارب وحكايات تنمّ عن توجه هذه الأنظمة إلى مبادئ العدالة والحق والتخلّص من إرث السلطة الفردية والحكم على الآخرين من خلال التشابه معنا أو الاختلاف.
في تفاصيل صغيرة، يصعب حصرها، يجد الكثير من السوريين العرب المسلمين مثلاً، أنّ ملفات مهمة وفاصلة في حياتهم في أوروبا، موقوفة على توقيع شخص مختلف تماماً عن هذا السوري، قد يكون من ديانة أخرى، من لون آخر، من انتماء سياسي آخر، من توجه جنسي آخر حتى.. لكن هذا الشخص، يدرس الملف الذي أمامه، بكثير من الحياد، وبإيمان مسبق بحقّ هذا “الأجنبي المختلف” بالحصول على حقوقه.. فهل يمكن فعلاً، للسوري، أن يضع نفسه في موقع موازٍ، ليمنح أي إنسان على ظهر الأرض، حقّه، ضمن فكرة الإيمان الأخلاقي بالحق، متخلياً عن سلطة الحرمان من الحق، التي تربّى وكبر عليها؟.
الكثير من السوريين الذين يعيشون في أوربا اليوم، من عرب وأكراد وغيرهم، سيحصلون على جنسيات هذه البلاد، ومنهم من حصل عليها، وصار يحق له العمل في السياسة، والترشح لمنصب الرئيس في هذا البلد الجديد، سيرة رؤساء الغرب تتضمن العديد من الشخصيات الذين وصلوا إلى الحكم، وهم من أصول مهاجرة، إذن، يمكننا التخيل بسهولة، أن يصبح رئيس أي بلد أوربي أو أمريكي، بعد عشرين عاماً مثلاً، أو أقل، من أصول سورية.
إذا كان هذا الاحتمال وارداً في الغرب، فهل يمكننا تخيّل أن والد الرئيس الأوربي القادم، السوري المهاجر أو اللاجئ، يعارض اليوم بشدة، فكرة حصول أي كردي في سوريا، على حقوقه القومية، بل لا يزال يناقش تفاصيل مملة وساذجة، حول تاريخ الكرد، للتشكيك في حقوقهم البديهية؟.
عزيزي المواطن العربي السوري، الذي تعيش في أوربا خاصة، وتتمتع بحقوق كبيرة، وسوف تتسع رقعة حقوقك هذه، لتختار رئيسك في بلدك الجديد، من فضلك، قليل من النزاهة وأنت تنظر اليوم إلى مطالب الكرد في سوريا. هل يمكنك أن تتخيل للحظة، دون خوف أو غضب أن القضية الكردية في سوريا، ليست كابوساً، وأنّها ليست ضد وجودك، ولن تحرمك من حقوقك، بل إنّ اعترافك بها، يعيدك كائناً متوازناً، ويحرّرك من أنانيتك ونظرتك الضيقة، على أنك وحدك صاحب الحقوق وموزّعها وفقاً لتاريخك السلطوي، بوصفك الأخ الأكبر.
المصدر :ليفانت
-
الاقتراع السوري الواعي الديمقراطية السورية المأمولة
Mar 31 2024 -
بمناسبة عيد المرأة العالمي:
Mar 08 2024 -
دروس دستورية في مقابلة الرئيس بارزاني مع"مونتي كارلو"..
Mar 03 2024 -
في حوار حصري مع مونت كارلو الدولية: الزعيم الكردي مسعود برزاني يقول إن النموذج الديموقراطي مهدد في العراق وصف قرارات المحكمة الاتحادية بالاجحاف ضد الاقليم وتحدث عن القلق حيال الانسحاب الامريكي من العراق
Feb 28 2024 -
بيدرسون: النظام السوري رفض عقد جولات اللجنة الدستورية في جنيف
Feb 28 2024 -
بناء الثقة .. كشرط لتقدم العملية السياسيّة..!
Jan 27 2024 -
لنعمل لأجل بناء الثقة!
Jan 14 2024 -
لنعمل لأجل بناء الثقة؟
Jan 04 2024 -
يدون تاريخ المنطقة، ويزيل الستار عن خفايا "الهندسة الديمغرافية "! كتاب تقسيم "كوردستان العثمانية" لدكتور آزاد أحمد علي
Dec 30 2023 -
"الحركة الكُردية في العلاقات الدولية" للراحل رشيد حمو
Dec 16 2023
-
دلبخوين دارا: من شاشة روداو العربية!
Jun 11 2020 -
تقزيم المسألة السورية في قالب (صياغة الدستور)
Aug 15 2018 -
جمهورية شرق الفرات
Oct 14 2018 -
أولويات التفاوض كُردياً: الحفاظ على نظام الإدارة الذاتية، وعفرين:
Aug 14 2018 -
الدنمارك: ستة وجوه من حَمَلَةِ شهادات الماجستير على خشبة التكريم الكُردية.
Oct 17 2018 -
ورحلت القامة: رحيل الرجل الشجاع
Aug 21 2018 -
(الإصابة بالتوحد) أسبابها وأعراضها وكيفية االمساعدة على تحسن حالة الطفل التوحدي
Sep 01 2018 -
حقن البلازما بين هوس النساء والحقيقة العلمية..
Feb 21 2019 -
اختطاف المحامي ياسر السليم من كفرنبل بعد دعوته التعايش مع الدورز والكُرد وأهل الفوعة
Sep 22 2018 -
المحلل الإقتصادي خورشيد عليكا لبرجاف: الضغط على البنك المركزي ليس حلاً..والأزمة تتفاقم!
Aug 14 2018