دور منظمات المجتمع المدني في تطوير السياسات العامة*

دور منظمات المجتمع المدني في تطوير السياسات العامة*

May 23 2020

د.باسم حتاحت
بداية يجب التفريق بين السياسة العامة (Policy Public) و بين السياسة (Politics ) , من الممكن ان نعرف السياسة بانها فن او علم للوصول الى السلطة و الحفاظ عليها و ممارستها و هي ميدان الاحزاب السياسة بالدرجة الاولى , اما السياسة العامة فهي نظام او دليل مبادئ ينعكس على جميع القرارات و التشريعات التي تخص قضية معينة من القضايا العامة , هذا يعني ان السياسة العامة تهم عموم الناس اكثر من السياسة نفسها لان السياسات العامة تؤثر بشكل مباشر في حياة الناس جماعات او افراد و يحاول هؤلاء الناس صياغة او تشكيل السياسات العامة التي تعتمدها الحكومة او البرلمان بطريقة تزيل المشاكل التي تواجههم في حياتهم اليومية او بما يتفق مع ارائهم و معتقداتهم و رؤاهم .
نسمع كثيرا عن سياسات عامة لقضايا مهمة مثل السياسة المالية , سياسة ضريبية , سياسة الحد من الفقر , سياسة الخصخصة ...الخ , كل هذه الميادين المهمة لها سياسات عامة وضعتها الحكومة او البرلمان و تقوم بتنفيذها و تلزم القضاء ايضا بتنفيذها من خلال التشريعات استنادا الى الدستور و من المؤكد ان النخب السياسة الحاكمة هي التي تصوغ هذه السياسات العامة طبقا لرؤاها و أيدولوجيتها و مصالحها.
اذا اردنا ان نسقط مفهوم السياسة العامة على الحالة السورية في الوقت الحاضر في ظل انعدام الحكومة المركزية او الدولة المستقرة سنجد ان هناك عدد من هذه السياسات العامة التي ترسخت في سوريا او قياداتها السياسية والعسكرية في المهجر ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
1- سياسة توزيع المناصب و الوظائف بالمحاصصة الحزبية ( سياسة المحاصصة ).
2- سياسة الاعتماد الكامل على المنح للدول المؤثرة او المنح المقدمة من دول أصدقاء سوريا .
3- سياسة العمل مع المنظمات الدولية .
و هناك سياسات عامة معلنة و لكنها لا تطبق لعدم وجود أجهزة منفذ وصاحبة تأثير و منها على سبيل المثال لا الحصر :
1- سياسات مكافحة الفساد.
2- سياسات الحد من الفقر.
3- سياسة حماية الصحفيين و الاعلاميين و حماية حق التعبير عن الرأي.
٤- سياسة مكافحة التهريب والتجارة غير المعلنة
٥- سياسة حماية اللاجيئين
٦- سياسات التعليم والشهادات
٧- سياسات الأوراق الرسمية ( جوازات السفر ،شهادات الميلاد والزواج والطلاق والوفاة ... )
ان ترك صياغة و تنفيذ السياسات العامة للكيانات السياسة او العسكرية و ممثليها في الخارج والداخل او المجالس المحلية سوف يؤدي الى نتيجة واحدة اكيدة و هي تغليب المصالح الحزبية و الفئوية و الشخصية على المصالح العليا للشعب و البلد وهذا ما شهدناه طيلة السنوات الماضية للثورة و هناك امثلة كثيرة عليه .
هنا يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني في سوريا او السورية في المهجر , هذا الدور يتمثل بالتالي :
1- دراسة المشاكل التي تهم المواطن السوري في مختلف المحافظات او دول المهجر و ترتيبها حسب الاولوية و محاولة وضع الحلول الممكنة لها.
2- تقديم هذه الحلول الى مختلف اصحاب المصلحة مثل المواطنين و السياسيين والتجار و الاعلاميين و غيرهم على ان يحدد دور كل فئة من هذه الفئات و مدى تاثرها و تأثيرها في المشكلة محل البحث و مقدار مساهمة كل فئة حاليا في حل المشكلة او تعقيدها و كيف يمكن تغيير هذا الواقع مستقبلا لتحقيق الحلول التي قدمناها .
3- في اغلب الحالات نحتاج كمؤسسات مجتمع مدني الى التخطيط لحملات مدافعة لتحقيق التأثير المطلوب في تطوير السياسات العامة المستهدفة.
هنا نعرف الفرق بين مراكز الابحاث بمختلف انواعها و بين مؤسسات المجتمع المدني و العلاقة التبادلية التي يمكن ان تنشا بين الاثنين , فمراكز الابحاث think tank (policy institute, research institute, etc.) مهمتها الرئيسية هي كتابة اوراق السياسات العامة و تقديم البحوث و نشرها و لكن ليس من مهمتها الرئيسية تنظيم و تنفيذ حملات المدافعة و تحشيد الجمهور و ما الى ذلك و لكن نجد ان مؤسسات المجتمع المدني تلعب في كثير من الاحيان دورين هما دور مركز الابحاث و دور منظم حملات المدافعة و يمكن ان تتفق مؤسسة المجتمع المدني مع باحث او مع مركز ابحاث متخصص لكتابة ورقة سياسات عامة حول موضوع معين ثم تتبنى هذه الورقة و تنظم حملتها بناء على هذه الورقة و ما تحتويها من حلول مقترحة او تصورات و توصيات.
من الضروري ان تلتفت مؤسسات المجتمع المدني السورية لموضوع اوراق السياسات العامة و تركز عليها لتفعيل الشراكة بينها وبين ممثليها في الوقت الحاضر من السياسيين والعسكريين و كذلك مع الدول المؤثرة في الواقع السوري و بدون هذه الاوراق لن يكون تغير حقيقي في الواقع المأسوي السوري بل من المتوقع ان تتفاقم المشاكل الى مستويات أشد خطرا مما هي عليه الآن.
*دراسة مقدمة من د. باسم حتاحت
بروكسل 02/11/2016