لا تتخلوا عن حل الدولتين

لا تتخلوا عن حل الدولتين

Jul 20 2020

لا تتخلوا عن حل الدولتين
دينيس روس؛ وديفيد ماكوفسكي* – (ذا أميركان إنترست) 14/7/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

قد يكون الضم الإسرائيلي أحادي الجانب خطأ. لكنّ حل بيتر بينارت القائم على فكرة الدولة الواحدة هو نهج يضيف خطأ إلى آخر.
* * *
قمنا بكتابة كتابنا “كن قويًا وشجاعًا جيدًا” Be Strong and of Good Courage، لأننا كنا نخشى أن يؤدي المسار الذي تسلكه إسرائيل إلى نتيجة الدولة الواحدة. بكل تأكيد، سوف يجعل الاستمرار في البناء خارج مناطق التجمعات الاستيطانية من المستحيل الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وسوف ينتج في الوقت المناسب دولة واحدة لشعبين. ومن خلال إظهار الكيفية التي حدد بها أهم قادة إسرائيل ما هو الأهم، وكيف اتخذوا قرارات صعبة ووضعوا احتياجات البلد قبل احتياجاتهم السياسية، كنا نأمل في تذكير قادة إسرائيل اليوم بمسؤوليتهم عن اتخاذ خيارات سياسية صعبة بوضوح -خيارات سوف يكون من شأنها أن تثير الآن معارضة كبيرة من حركة المستوطنين.
ولم يتحقق ذلك الأمل حتى الآن. والأسوأ من ذلك هو أن دافع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، للاستفادة من خطة ترامب لضم ما يصل إلى 30 في المائة من الضفة الغربية من جانب واحد، أثار ردود فعل في الولايات المتحدة. والكثير من ردود الفعل المنتقدة مشروعة، لكن بعضها، للأسف، منفصل عن الواقع إلى حد كبير. من ناحية، هناك بيتر بينارت Peter Beinart الذي يدافع الآن عن دولة يهودية-عربية ثنائية القومية. ومن ناحية أخرى، ثمة أشخاص مثل صديقنا إيلان غولدنبرغ Ilan Goldenberg، والذين يريدون بشدة إنقاذ حل الدولتين، ويعتقدون أن الرد الصحيح على الضم هو الاعتراف بدولة فلسطينية من أجل الإبقاء على أمل الفلسطينيين حياً.
لسنا متفاجئَين من أن يكون احتمال الضم قد أثار ردود الفعل هذه. فالضم بعد كل شيء هو إجراء إسرائيلي أحادي الجانب، والذي ينتهك فرضية مركزية في اتفاقيات أوسلو: لن يغير أي من الطرفين وضع المنطقة -ما يعني أن إسرائيل لن تضم أي أراضٍ، وأن الفلسطينيين لن يعلنوا قيام دولة. وكان ينبغي أن يتم التفاوض على الوضع الدائم للمناطق؛ نعم، ليست هناك مفاوضات الآن بعد فشل ثلاث محاولات رئيسية بقيادة الولايات المتحدة منذ العام 2000 وفقدان ثقة كل من الجمهورَين بالآخر.
ومع ذلك، فإن ضماً تقوم به إسرائيل من جانب واحد لأراضٍ تسيطر عليها مُسبقاً ليس هو الحل. إنه لن يجعل إسرائيل أكثر أمناً. ولا أحد يعرف ما إذا كان سيؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية، أو أنه سينهي التعاون الأمني بين الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، أو أنه سيوفر ذريعة لحماس وحزب الله لتوجيه ضربات صاروخية رمزية ضد إسرائيل، والتي يمكن أن تتصاعد إلى شيء أكبر. لكننا نعلم أنه سيثير أسئلة أساسية حول شرعية موقف إسرائيل في الضفة الغربية، وسيكون بلا شك نعمة لحركة نزع الشرعية عن إسرائيل في وقت أصبحت فيه مسألة العدالة قضية مركزية في أميركا.
لا عجب أن بيتر بينارت قرر إظهار أنه يقف على الجانب الصحيح من العدالة. وبعد أن أمضينا قرابة ثلاثين عامًا في محاولة صنع وتعزيز السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، نريد نحن أيضًا العدالة والكرامة لكلا الجانبين. لكن وصفته ستنتج سفك دماء لا نهاية له، وليس عدالة. إن دعوته إلى إقامة دولة واحدة لا يمكن أن تعمل ببساطة في الشرق الأوسط: فهو منطقة لا توجد فيها تقاليد ديمقراطية؛ لم يصلها بعدُ عصر ما– بعد- الطائفية؛ وحيث تُخاض الحروب بلا أي حدود (شاهد العراق وسورية)؛ وحيث لا يوجد استعداد لقبول أو احترام حقوق الأقليات.
في الشرق الأوسط، حيثما يُفرض نظام مركزي على مجموعات طائفية/ عرقية مختلفة، فإن النتيجة هي الصراع المستمر. فهل تكون قصة العراق، وسورية، ولبنان وليبيا، هي ما يجب أن نصفه لمستقبل الإسرائيليين والفلسطينيين؟
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن بينارت يعتقد أن الهويات الوطنية المنفصلة للإسرائيليين والفلسطينيين تعني القليل لكل منهم، وأنها سوف تذوب وتتلاشى. وما مِن مكان يبدو فيه المرء منفصلاً عن العالم الحقيقي أكثر من هذا. لقد دفع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين ثمناً باهظاً للحفاظ على هوياتهم. من جهتهم، بنى الإسرائيليون دولة في بيئة كانوا مرفوضين فيها، وفُرضت عليهم الحروب. فهل يمكن لدولة ذات ثقافة مزدهرة، والتي حققت وجودها بنجاح من خلال جلب أكثر من مليون يهودي من الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى توفير وطن لليهود من إثيوبيا وسورية واليمن، وعبر كل المجتمعات التي تتعرض للتمييز في الشرق الأوسط، أن تتخلى فجأة عن هذه الهوية؟ هل يمكن لدولة يبلغ عدد سكانها حوالي تسعة ملايين -ما يقرب من سبعة ملايين يهودي وحوالي مليوني مواطن عربي إسرائيلي- والتي تمكنت من البقاء بعد كثير من الحروب لتصبح دولة “صاعدة” بناتجٍ محلي إجمالي بمستوى نظيراته في فرنسا واليابان، أن تقول إن دولتها وهويتها فشلتا؟ ومن بين 105 برلمانيين صهيونيين في الكنيست المؤلف من 120 عضوًا، هل هناك حتى نائب واحد يمكن أن يقبل بتغير هوية إسرائيل؟
كما ثابر الفلسطينيون بدورهم أيضًا. في أماكن تفرقهم، في مخيمات اللاجئين وعبر انتفاضتين، لم يتخلوا عن هويتهم. وشرح أحمد غنيم، وهو ناشط في حركة “فتح” ما يزال مقربًا من مروان البرغوثي، ذات مرة سبب تفضيله لحل دولتين: “في دولة واحدة، سوف يشعر أحدنا (إسرائيليون أو فلسطينيون) بالحاجة إلى الهيمنة على الآخر”. وهو محق. سوف تضمن دولة بينارت ثنائية القومية أن يتحول الصراع إلى الداخل. وهو يشير إلى أن قانون العودة الإسرائيلي ستقابله مطالبة فلسطينية بنسخة موسعة من حق العودة الفلسطيني، والتي تشمل الملايين. وبالنسبة لدولة لا تشترك في نفس اللغة أو الدين أو الخبرة، قد يتحول هذا كله إلى كابوس بسرعة كبيرة. وسوف يضمن الصراع المستمر بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
إذا لم يكن كل هذا كافياً، فكأنما يبدو لبينارت أن أعداء إسرائيل هم أناس متخيلون. لكن الإسرائيليين يعرفون أنهم ليسوا كذلك. أيُّ دولة هي التي قد ترهن وجودها نفسه لاحتمال أن إيران وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي ربما يغيرون مواقفهم فجأة إذا لم تعد إسرائيل كما نعرفها موجودة؟ هل سيحارب العرب العرب ويقاتل المسلمون المسلمين نيابة عن اليهود؟ سوف يأخذ القليل جداً من الإسرائيليين مثل هذه المقامرة على أنها الخبرة الأفضل. كان جوهر الصهيونية دائماً هو روح الاعتماد على الذات. وبعد 2000 سنة من الاضطهاد، بُنيت الدولة اليهودية على فكرة أنه يجب أن تكون لليهود وكالة لتأمين مصيرهم.
خلاصة القول من كل هذا واضحة. لا بديل عن السماح لهذين الشعبين بالسعي إلى -وتحقيق- تطلعاتهما القومية. ولا يمكن حل نزاعهما إلا إذا تم فصلهما عن بعضهما بعضا، وسوف يستمر هذا النزاع إذا لم يتم فصلهما. صحيح أن الدولتين الموعودتين لن تكونا متاحتين في أي وقت قريب، وقد يؤدي الضم من جانب واحد إلى تهديد ظهور هذا الحل جملة وتفصيلاً. لكن هذا يعني أن علينا أن نواصل العمل ضده. إذا تم انتخاب جو بايدن، فمن شبه المؤكد أن إدارته لن تعترف بالضم. ونأمل أنها ستسعى إلى تغيير الواقع على الأرض، واستعادة الإحساس بالإمكانية لدى كلا الجانبين، والعمل على جعل كل جانب يتخذ خطوات لإظهار التزامه بالسلام وبحل على أساس الدولتين -على سبيل المثال، يتوقف الإسرائيليون عن البناء خارج الحاجز الأمني حتى تتمكن دولتان من إجراء تبادل مناسب للأراضي. (تعيش الغالبية العظمى من المستوطنين في تجمعات أو كتل داخل الجدار). ومن جانبها، يجب على السلطة الفلسطينية التوقف عن منح عائلات أولئك الذين يقومون بأعمال إرهاب وعنف ضد الإسرائيليين معاملة تفضيلية ورواتب أكبر من عائلات معوزة أخرى.
بما أننا نعتقد أنه لا يوجد خيار سوى العمل في اتجاه هذين الكيانين، فإننا متعاطفان مع رغبة غولدنبرغ في الحفاظ على الأمل في حل الدولتين حياً. وهو يخشى أن يؤدي الضم إلى استسلام الشعب الفلسطيني، ويعتقد أن نتيجة دولة واحدة هي النتيجة الوحيدة التي ستكون ممكنة. وهو يريد أن يمنحهم الأمل من خلال الاعتراف بدولة فلسطينية باعتبار أن ذلك سيكون الرد الصحيح على قيام إسرائيل بفرض سيادتها من جانب واحد على جزء من الضفة الغربية.
للأسف، من المرجح أن تفشل أي سياسة قائمة على الرغبات. بادئ ذي بدء، لا ينبغي للفلسطينيين، الذين لم يكونوا على استعداد للتفاوض مع إسرائيل لبعض الوقت، أن يعتقدوا بأن عدم الانخراط سوف ينتج المكافآت. لكنَّ هناك شيئاً أكثر إشكالية في وصفة غولدنبرغ أيضًا: أنه يقدمها من دون أي شروط. هل يجب أن تلتزم الدولة الفلسطينية التي يعترف بها بالسلام مع إسرائيل، الدولة القومية للشعب اليهودي؟ هل يجب عليها أن تتجاوز الانقسامات بين سلطتين منفصلتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهل يجب أن تقوم أي مصالحة بينهما على مبادئ تجعل السلام مع إسرائيل ممكناً؟ هل يجب أن تكون لهذه الدولة مؤسسات ذات مصداقية والتي تلتزم بسيادة القانون -أم أن الفساد واسع النطاق الذي يغذي العزلة العميقة للجمهور الفلسطيني عن السلطة الفلسطينية لا يهم؟ هل يجب أن تكون مواردها المالية شفافة؟ هل يجب أن تسمح بحرية الكلام وبوجود وسائط إعلام حرة؟ هل يجب أن تحترم حقوق الأقليات؟
ومن الواضح أن هناك مشكلة أخرى في هذا الخيار أيضاً. ماذا يحدث في اليوم التالي بعد الاعتراف؟ هل سيتغير أي شيء عمليًا بالنسبة للفلسطينيين؟ نعم، إن الاعتراف قد يعطي أملاً كاذبًا بأن المجتمع الدولي أو أميركا يفعلان شيئاً للفلسطينيين حقاً. ولطالما كان انتظار الآخرين ليفعلوا شيئاً ابتليت به الحركة الوطنية الفلسطينية، لكن تعميق اتكالية الفلسطينيين لن يجعل التقدم أكثر احتمالاً أيضاً. سوف تظهر الفجوة بين خطابنا وأفعالنا بسرعة كبيرة عندما لا نتمكن من إنتاج الدولة الموعودة في وقت قريب. ينبغي أن تكون سياساتنا مصممة لتوفير أمل متجذر في إظهار أن الحقائق على الأرض يمكن أن تتغير، وليس في إعطاء الفلسطينيين سببًا للاعتقاد بأن أي شيء لن يكون ممكناً. عاجلاً أم آجلاً سوف يؤدي ذلك بدوره إلى حدوث انفجار.
بينما نحترم نوايا غولدنبرغ ونشاركه التزامه بخيار الدولتين لشعبين، يبدو أنه يتقاسم عنصرًا أساسيًا واحدًا مع بينارت. بالنسبة لكليهما، تتحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن إدامة الصراع. والفلسطينيون بالنسبة إليهما مجرد ضحايا لم يسهموا في استمرار النزاع. ويبدو الأمر كما لو أن الفلسطينيين استجابوا -أو قدموا مقترحات مضادة- لمعايير كلينتون في كانون الأول (ديسمبر) 2000، ومقترح أولمرت في آب (أغسطس) 2008، ومبادئ أوباما في آذار (مارس) 2014 -وهو ما لم يفعلوه، بطبيعة الحال. وكأن الانتفاضة الثانية التي قتلت معسكر السلام في إسرائيل لم تحدث قط. كما لو أن القيادة الفلسطينية لم تطرد رئيس الوزراء آنذاك، سلام فياض، الذي كان يسعى إلى بناء مؤسسات دولة حقيقية وإرساء المساءلة داخل السلطة الفلسطينية.
لكن نقدنا لاقتراح غولدنبرغ ليس حجة للاستسلام. ليس هناك حل بسيط ولن نقوم فجأة بحل القضايا المشحونة بشدة مثل مسائل القدس واللاجئين. إننا بحاجة إلى سياسة تعود إلى التدرج، لكنها تركز بشدة على الانفصال كوسيلة للحفاظ على خيار قيام دولتين لشعبين. وقد يبدو الطريق إلى الأمام أقل بريقاً، لكنه يبقى ضرورياً مع ذلك.
نعم، لقد استغرق الأمر ما يقرب من 100 عام من الصراع حتى تتعامل هذه الحركات الوطنية -المتجسدة في إسرائيل والسلطة الفلسطينية- مع بعضها بعضا بشكل يومي: التعاون الأمني والتجارة، والآن التعاون الصحي المتعلق بـ”كوفيد-19″. وليس هذا التواصل مثالياً. لكن الحكمة السياسية الذكية سوف تبنى على هذين الهيكلين التأسيسيين. ويبدو لنا أن هدمهما كليهما -كما سيفعل بينارت- وسط الأمل في أن هناك شيئاً آخر يمكن بناؤه، هو ضرب من قمة اللامسؤولية والخيال.
لا يمكن أن يكون خطأ الضم عذراً لتجاهل حقائق الشرق الأوسط. ونحن لسنا بحاجة إلى نهج للشرق الأوسط، والذي يفاقم خطأ قائماً بإضافة واحد آخر ويعكس مرة أخرى وجود القليل من الفهم لما يدفع هذه المنطقة. دعونا لا نتخلى عن الانفصال والمفاوضات ودولتين لشعبين. ودعونا لا نتبنى مواقف لها جاذبية مجردة، لكنها في حقيقتها منفصلة بشكل محزن عن الواقع.
*دنيس روس: عمل مديراً لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية في عهد الرئيس جورج بوش الأب، والمنسق الخاص للشرق الأوسط في عهد الرئيس بيل كلينتون، وكان مستشارًا خاصًا لشؤزن الخليج الفارسي وجنوب غرب آسيا لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
*ديفيد ماكوفسكي: هو زميل زيغلر المميز في معهد واشنطن ومدير مشروع العلاقات العربية الإسرائيلية. وروس وماكوفسكي هما المؤلفان المشاركان لكتاب: “كن قويًا وشجاعًا: كيف شكل أهم قادة إسرائيل مصيرها”، الصادر عن “بابليك أفيرز” في أيلول (سبتمبر) 2019.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Don’t Give Up on the Two-State Solution
المصدر:الغد الأردنية:20/7/2020