في ذكرى رحيل نزار... محتارٌ ماذا أكتب عنه!!
صديقٌ ما لـ نزار
لا يمكنني وصف علاقتي بنزار، وأتردد باعتبارها مجرد علاقة بين صديقين؟ أو بين أخّين؟.
قضيت مع نزار كل مراحل طفولتي ومراهقتي، لكنه صدمني ورحل عني في عز شبابي... إن نزار دمٌ يجري في عروقي.
إن لمكانته مني، مكانة الظفر من اللحم. آلمني رحيله، وأنا الذي لم أره أو أجالسه منذ الفترة الممتدة ما بين 2013 إلى تاريخ فقدانه لحياته. اقتصر تواصلنا فقط على وسائل التواصل الإجتماعي، وأستطيع الآن حصر كل المواقف التي تربطني به، تلك المواقف التي نضحك بها، أو نحزن، أو نخطط للمستقبل، حتى تلك المواقف التي نغضب فيها من بعضنا البعض... إن نزار جزء من حياتي أشاطره كل لحظاتها.
بدءا من عدم تمييزي بينه وبين أخيه زياد، إلى تلك اللحظة التي أهداني فيها حبة شوكولا فوضعتها في جيبي وبِتُ آخذ منها حبيبات صغيرة وآكل منها بالسر، خوفا من أن يشاركني هو أو غيره أكلها، علما أنه هو من أعطاني إياها، أتذكر، ولا تزال ابتسامته وهو يرمقني بنظراته، مرسومة أمام ناظريّ إلى الآن.
إحدى المرات كان غاضبا يبكي بحرقة لدرجة أنه تعِب من البكاء وغط في نوم عميق، فذهبت أوقظه بحك قدمه اليسار بعصا صغيرة كانت بيدي، فاستيقظ غاضبا يصيح ابتعدوا عني، وعندما رآني أنا من أفعل به ذلك، ضحك من كل قلبه وقال، أهذا أنت؟
أذكر أيضاً اللحظة التي ذهبت فيها مع أبي إلى القرية، ومن ثم لبيت نزار، والذي كان عائداً للتو من قرية تعلك حاملا بيده جلاءه ليريني نتيجته... تعلمت منه أن المدارس في الصفين الخامس والسادس يتم فيها جمع علامات الامتحانات ومقارنتها بالدرجة 100، كانت تلك المواقف قبل عام 1999.
تعملت منه إعراب "أكلوني البراغيث" وسألت مدرِسة اللغة العربية عن الإعراب، ولكن سرعان ما غابت عن الصف بعدها بحجة أن تلميذ ما يجاكرها!... وتعلمت منه واو الرُّبة في قصيدة "وأطلس عسال"، وتعلمت منه احترام الآخرين، فنزار كان يقول حتى للأطفال الغرباء الذين يصغرونه "عمو".
في كل يوم خميس كان جدي يأخذني إلى السوق في البلدة القريبة من نزار، فيستقبلني بابتسامته العريضة، ونذهب للتسوق، أو نترك السوق للذهاب إلى القرية فننتهز الفرصة ويعلمني قيادة الدراجة النارية... لقد كان نزار بمثابة معلم لي.
أذكر مرة أعطاني مقود دراجته لأتعلم القيادة ولكن وقعنا عند منعطف بالقرية، فقفز نزار من الدراجة ومسك الكرسي المعدني كي يثبت الدراجة منعاً من إصابتي بأي مكروه، ولكن وقعت وتمزق بنطالي، فقلت ياه، لقد تمزق البنطال، فضحك وقال أنا أحاول إنفاذك من الوقوع على وجهك، وأنت تتحسر على البنطال، تعال أعطيك بنطالي... كان نزار كريماً معي ومع كل من عرِفهم، حريصاً عليهم، بإمكانه أن يفديهم بكل شيء، حتى حياته.
مع افتتاح المدارس كنت أشتري الدفاتر والقرطاسية من مدينتي لأرسلها إلى نزار، الذي كان يبيعها بنفس الثمن الذي اشتريتها به، فألومه، فيقول لا بأس، لم أوصيك على القرطاسية لأحقق من بيعها أي ربح.
ولاحقا استطاع نزار أن يعمل معلماً وكيلاً في القرية، وافتتح مع أصدقاء له معهد تعليمي صغير، عبارة عن غرفة بالقرية ليعطي تلاميذ القرية من الصف التاسع والشهادة الثانوية دروس تقوية، وساهم مع أصدقائه بإثراء المعلومات الدراسية لدى اولئك التلاميذ، أولاد عمتي كانوا تلاميذه، عندما يحدثوني على برامج التواصل استغرب من مدى إلمامهم بالكتابة وعدم وجود أي أخطاء لغوية في عباراتهم... كان نزار محبًا للعلم ومحبًا لأبناء قريته، كان يريد لهم التوفيق دومًا في كل مجالات حياتهم.
لقد علمني نزار الكثير من دروس الحياة، وردد على مسامعي خبراته التي اكتسبها من تجاربه ومن ضمنها أن النسيان نعمة، خبرة اكتسبها نزار بعد وفاة والده، تلك الوفاة كانت صدمة كبيرة لنا جميعاً، وتركت أثراً بليغًا في نفوسنا، فلوالده مواقف رجولية وخدمات للأهالي والجيران قلّ نظيرها في المنطقة، ومنه تعلم نزار الكثير ليعلمنا أيضا، ولكن لم يدرك نزار حينها أنه قد يتركنا في لحظة ما، لحظة تجعلنا نضطرب حتى بخطواتنا من بعده، لم يدرك أني كصديق له وكأخ صغير، قد أضرب تلك الحكمة عرض الحائط قائلا، كلا!! إن النسيان ليس نعمة، بل خيانة لذكرى الراحلين، خيانة لتلك اللحظات الخالدة في نفوسنا الضعيفة... بتزايد مدة رحيلك يا عزيزي يزداد ضعفي، وتضيق أنفاسي كلما فكرت بك، وأصبح ملتاثا حتى في كتابتي لكلمات تصفك وتصف رحيلك المفاجئ، خنتك يا عزيزي لأني لم أكلف نفسي عناء رؤيتك ولو بمكالمة فيديو فأشبع ناظري منك ومن ابتسامتك العريضة، قبل أن تتركنا هكذا بهذه البساطة... أشتاق لك ولكل تلك اللحظات التي قضيتها برفقتك.
-
الاقتراع السوري الواعي الديمقراطية السورية المأمولة
Mar 31 2024 -
بمناسبة عيد المرأة العالمي:
Mar 08 2024 -
دروس دستورية في مقابلة الرئيس بارزاني مع"مونتي كارلو"..
Mar 03 2024 -
في حوار حصري مع مونت كارلو الدولية: الزعيم الكردي مسعود برزاني يقول إن النموذج الديموقراطي مهدد في العراق وصف قرارات المحكمة الاتحادية بالاجحاف ضد الاقليم وتحدث عن القلق حيال الانسحاب الامريكي من العراق
Feb 28 2024 -
بيدرسون: النظام السوري رفض عقد جولات اللجنة الدستورية في جنيف
Feb 28 2024 -
بناء الثقة .. كشرط لتقدم العملية السياسيّة..!
Jan 27 2024 -
لنعمل لأجل بناء الثقة!
Jan 14 2024 -
لنعمل لأجل بناء الثقة؟
Jan 04 2024 -
يدون تاريخ المنطقة، ويزيل الستار عن خفايا "الهندسة الديمغرافية "! كتاب تقسيم "كوردستان العثمانية" لدكتور آزاد أحمد علي
Dec 30 2023 -
"الحركة الكُردية في العلاقات الدولية" للراحل رشيد حمو
Dec 16 2023
-
دلبخوين دارا: من شاشة روداو العربية!
Jun 11 2020 -
تقزيم المسألة السورية في قالب (صياغة الدستور)
Aug 15 2018 -
جمهورية شرق الفرات
Oct 14 2018 -
أولويات التفاوض كُردياً: الحفاظ على نظام الإدارة الذاتية، وعفرين:
Aug 14 2018 -
الدنمارك: ستة وجوه من حَمَلَةِ شهادات الماجستير على خشبة التكريم الكُردية.
Oct 17 2018 -
ورحلت القامة: رحيل الرجل الشجاع
Aug 21 2018 -
(الإصابة بالتوحد) أسبابها وأعراضها وكيفية االمساعدة على تحسن حالة الطفل التوحدي
Sep 01 2018 -
حقن البلازما بين هوس النساء والحقيقة العلمية..
Feb 21 2019 -
اختطاف المحامي ياسر السليم من كفرنبل بعد دعوته التعايش مع الدورز والكُرد وأهل الفوعة
Sep 22 2018 -
المحلل الإقتصادي خورشيد عليكا لبرجاف: الضغط على البنك المركزي ليس حلاً..والأزمة تتفاقم!
Aug 14 2018