روسيا في المستنقع السوري
روبرت فورد*
وقع الكثير من القادة والمسؤولين، وأنا منهم، في أخطاء فادحة في التعامل مع الحرب السورية. لذلك، يتعيَّن علينا الآن التحلي بالتواضع وإبداء الندم.
بطبيعة الحال أول ما يتذكره المرء عن سوريا المعاناة المروعة التي كابدها مواطنوها. إلا أنه يتعيَّن علينا كذلك تذكر حدود ما يمكن للتدخل الأجنبي تحقيقه في الحروب الأهلية التي تشتعل في دول أخرى. من ناحيتها، تعلمت الولايات المتحدة هذا الدرس في فيتنام، وبعد ذلك بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، اضطرت لتعلمه من جديد داخل العراق. ومثل الرئيس جورج بوش في أبريل (نيسان) 2003، نجح الرئيس فلاديمير بوتين في إنجاز هدفه العسكري الفوري داخل سوريا. واليوم، أصبح واضحاً أن حليفه الرئيس الأسد وحكومته الوحشية سيبقيان في السلطة. ومع أن الأسد لا يروق كثيراً لموسكو، تظل الحقيقة أنها عاجزة عن إيجاد أو فرض بديل له. ولذلك، سيستمر الرئيس بوتين في العمل مع الرئيس السوري وحكومته الضعيفة. ولا تملك موسكو سوى أن تأمل في أن يقْدم الأسد وحاشيته بعد انتخابات عام 2021 على أخذ زمام المبادرة نحو مصالحة حقيقية.
في تلك الأثناء، وفي ظل غياب أي إصلاحات حقيقية داخل دمشق، ستستمر واشنطن والاتحاد الأوروبي في العقوبات التي يفرضها الجانبان على سوريا، وسيستمر اعتماد البلاد على المساعدات الإنسانية لفترة طويلة. ومن أجل ذلك، سعت موسكو من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتعزيز سيطرة دمشق على المزيد والمزيد من المساعدات الإنسانية التي تدخل الأراضي السورية، وذلك لحاجة الأسد لضمان عدم تضرر مصالحه التي تتسم بحساسية سياسية كثيراً من العقوبات.
من ناحية أخرى، فإن المساعدات الإنسانية لا تشكّل حلاً طويل الأمد للأزمة السورية، وتكشف الحالة المزرية للاقتصاد السوري مدى ضعف الإنجازات العسكرية الروسية.
إضافة لذلك، تزيد المظلة العسكرية الأميركية فوق منطقة الحكم الذاتي في شمال شرقي سوريا الوضع تعقيداً أمام الجهود الروسية الرامية لضمان انتصار سياسي واقتصادي كامل داخل سوريا. على الصعيد التجاري، عاينت روسيا توقيع شركة أميركية اتفاقاً نفطياً ظنَّت موسكو أنه سيكون من نصيب شركات روسية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، وفي الوقت الذي تتسم العائدات النفطية بضآلتها مقارنةً بتكاليف إعادة بناء سوريا، فإن الاتفاق سالف الذكر من شأنه خلق مزيد من الصعوبات أمام دمشق على صعيدي الطاقة والموازنة. وعلى الصعيد السياسي، سيعيق الاتفاق الجهود الروسية الرامية لإبرام اتفاق بين دمشق وحزب الاتحاد الديمقراطي الحاكم في شمال شرقي سوريا حول مستقبل الحكم بهذه المنطقة.
من ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة بالتأكيد باستطاعتها ادعاء تحقيقها بضعة نجاحات داخل سوريا. من جهته، يشدد منسق السياسة الأميركية تجاه سوريا، السفير جيمس جيفري، على أن واشنطن ترغب في التعاون مع روسيا والأمم المتحدة، من أجل إيجاد سبيل لإجبار الأسد على تنفيذ إصلاحات سياسية وعقد انتخابات حرة ونزيهة في سوريا. ومع ذلك، لا يجري الكثير من المناقشات العميقة في الوقت الحاضر بين جيفري وفريق العمل المعاون له من جهة، وروسيا من جهة أخرى. والمؤكد أن الخلافات بين واشنطن وموسكو حول أوكرانيا والعقوبات والصواريخ النووية، وتدخُّل كل طرف في الشؤون السياسية الداخلية للطرف الآخر، تزيد المناخ العام للعلاقات بين العاصمتين سوءاً. إلى جانب ذلك، لا تبدي موسكو حماساً تجاه التفاوض مع إدارة ترمب.
جدير بالذكر في هذا الصدد أن وزير الخارجية الروسي لافروف انتقد خلال مؤتمر صحافي مع نطيره الإيراني جواد ظريف، في 22 يوليو (تموز)، «المناخ السياسي» داخل واشنطن والذي يشجع مسؤولين أميركيين على تسريب أسرار بخصوص المفاوضات السرية بين الجانبين وكشفها على الصعيد العام.
الواضح أن الخارجية الروسية ليس باستطاعتها استخلاص تنازلات من الأسد أو واشنطن، في الوقت الذي يربح قليل من الشركات الروسية فقط أرباحاً تجارية من وراء الاقتصاد السوري المدمَّر. أما المؤسسة الروسية الوحيدة التي تبقى لها مصالح كبرى داخل سوريا فهي المؤسسة العسكرية.
من جهته، صرح قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، الجنرال ماكنزي، في يونيو (حزيران)، بأن الروس يرسلون معدات عسكرية إلى سوريا، في الوقت الذي تدخل دوريات برية روسية بمعدل أكبر شرق سوريا حيث يعمل الجيش والقوات الجوية الأميركية.
وفي بعض الأحيان، تقع مناوشات غير مسلحة بين جنود أميركيين وروس قرب القامشلي وقرب الطريق السريع «إم 4» الرابط بين سوريا وخط الإمداد العسكري الأميركي في فيشخابور القادم من العراق.
من ناحيتهم، يصف قادة عسكريون أميركيون السلوك الروسي بالعدوانية، لكن حتى الآن لم تقع مواجهات مسلحة. ويبدو الضباط الأميركيون هادئين نسبياً إزاء التصرفات الروسية. علاوة على ذلك، هناك آلية تنسيق بين القوات الروسية والأميركية تحول دون وقوع صراع مباشر بينهما. وفي الوقت ذاته، تحرص روسيا على عدم تحدي منطقة الحظر الجوي التي تفرضها الولايات المتحدة فوق شرق سوريا. في المقابل، يستغل الروس أسلوباً آخر لفتح قنوات اتصال مع قبائل شرق سوريا، وتوجيه مساعدات إنسانية إلى دير الزور من أجل اجتذاب الدعم السياسي بعيداً عن الأميركيين.
ولسوء حظ موسكو، تعوق تصرفات الجيش السوري الوحشية تجاه سكان المنطقة، الجهود الروسية الرامية للفوز بدعم سياسي هناك. ومع أن الموازنة الحكومية الروسية قادرة على تحمل التكاليف القليلة للقوات العسكرية المرابطة في سوريا، تظل تلك القوات عاجزة عن فرض حل على الأسد أو تركيا أو الولايات المتحدة في أي وقت قريب. وبإمكان روسيا التعايش مع هذا الوضع المتجمد سياسياً وعسكرياً، لكنّ المواطن السوري التعيس لا يجد أمامه إمكانية لتحسن الأوضاع الاقتصادية على مدار المستقبل المنظور.
*السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
المصدر:الشرق الاوسط
-
الاقتراع السوري الواعي الديمقراطية السورية المأمولة
Mar 31 2024 -
بمناسبة عيد المرأة العالمي:
Mar 08 2024 -
دروس دستورية في مقابلة الرئيس بارزاني مع"مونتي كارلو"..
Mar 03 2024 -
في حوار حصري مع مونت كارلو الدولية: الزعيم الكردي مسعود برزاني يقول إن النموذج الديموقراطي مهدد في العراق وصف قرارات المحكمة الاتحادية بالاجحاف ضد الاقليم وتحدث عن القلق حيال الانسحاب الامريكي من العراق
Feb 28 2024 -
بيدرسون: النظام السوري رفض عقد جولات اللجنة الدستورية في جنيف
Feb 28 2024 -
بناء الثقة .. كشرط لتقدم العملية السياسيّة..!
Jan 27 2024 -
لنعمل لأجل بناء الثقة!
Jan 14 2024 -
لنعمل لأجل بناء الثقة؟
Jan 04 2024 -
يدون تاريخ المنطقة، ويزيل الستار عن خفايا "الهندسة الديمغرافية "! كتاب تقسيم "كوردستان العثمانية" لدكتور آزاد أحمد علي
Dec 30 2023 -
"الحركة الكُردية في العلاقات الدولية" للراحل رشيد حمو
Dec 16 2023
-
دلبخوين دارا: من شاشة روداو العربية!
Jun 11 2020 -
تقزيم المسألة السورية في قالب (صياغة الدستور)
Aug 15 2018 -
جمهورية شرق الفرات
Oct 14 2018 -
أولويات التفاوض كُردياً: الحفاظ على نظام الإدارة الذاتية، وعفرين:
Aug 14 2018 -
الدنمارك: ستة وجوه من حَمَلَةِ شهادات الماجستير على خشبة التكريم الكُردية.
Oct 17 2018 -
ورحلت القامة: رحيل الرجل الشجاع
Aug 21 2018 -
(الإصابة بالتوحد) أسبابها وأعراضها وكيفية االمساعدة على تحسن حالة الطفل التوحدي
Sep 01 2018 -
حقن البلازما بين هوس النساء والحقيقة العلمية..
Feb 21 2019 -
اختطاف المحامي ياسر السليم من كفرنبل بعد دعوته التعايش مع الدورز والكُرد وأهل الفوعة
Sep 22 2018 -
المحلل الإقتصادي خورشيد عليكا لبرجاف: الضغط على البنك المركزي ليس حلاً..والأزمة تتفاقم!
Aug 14 2018