المدن السّوريّة المستباحة تحت السّلطة التّركيّة

المدن السّوريّة المستباحة تحت السّلطة التّركيّة

May 19 2020

تركيا مستمرّةٌ في استقطاب المقاتلين السّوريّين وتوسيع الشّرخ بين السّوريّين العرب والكرد

"تركيا لا تحارب فصيلاً سياسيّاً محدّداً إنّما تحارب الهواء الّذي يتنفسه الكرديّ أينما كان"

" هل يوجد أقسى من هذا المشهد، هل فعلتها ثورةٌ في التّاريخ ما تفعله الفصائل في المناطق الكرديّة"

حشدت تركيا العديد من الفصائل السّوريّة المسلّحة تحت مسمّى "الجيش الوطنيّ السّوريّ" للقتال إلى جانبها في عمليّتها العسكريّة الّتي خاضتها ضدّ المناطق الكرديّة في شمال سوريا.

شنّت تركيا في 20 كانون الثّاني/ يناير 2018، هجوماً عسكريّاً على منطقة عفرين ذات الغالبية الكرديّة شمال محافظة حلب، والّتي كانت خاضعة لسيطرة الإدارة الذّاتيّة الّديمقراطية، وذلك بحجة حماية أمنها القوميّ، ومحاربة وحدات حماية الشّعب (YPG)، الّتي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستانيّ (PKK). أدّى القتال إلى نزوح 137 ألف شخصٍ على الأقلّ وفقا للأمم المتّحدة. وانتشرت تقاريرٌ عن قيام مقاتلي فصائل "الجيش الوطنيّ السّوريّ" بعمليات نهبٍ وسرقةٍ وقتلٍ للمدنيّين في عفرين.

وبحسب تقريرٍ (لهئية الإذاعة البريطانيّة BBC) هنالك أكثر من 30 مجموعةً مسلّحةً تنضوي تحت مسمّى "الجيش الوطنيّ السّوريّ"، والّتي اعتمدت عليها تركيا في عملياتها العسكريّة في شمال سوريا،" درع الفرات، غصن الزّيتون، ونبع السلام" ومن بين تلك الفصائل يوجد أربعة فصائل كبيرةٍ. اثنان منهم من المقاتلين التّركمان السّوريّين وهما: كتائب السّلطان مراد وكتائب السّلطان محمد الفاتح.

أما المجموعتان الكبيرتان الأخريتان فهما كتائب حمزة والمنتصر باللّه. وقد سُلّحتا ودُرّبتا على أيدي مجموعةٍ مشتركةٍ من الجنود الأتراك والأمريكيّين في عام 2015. بالإضافة إلى مجموعاتٍ أخرى صغيرةٍ.

وقبل بدء الهجوم التّركيّ على شرقيّ الفرات، قامت تركيا بضمّ "الجيش الوطنيّ السّوريّ" مع "جبهة التّحرير الوطنيّ" في إدلب، والّتي كانت تضمّ11 فصيلًا ممّا كان يعرف بـ "الجيش الحرّ"، وضمّت كلًا من "فيلق الشّام"، و"جيش إدلب الحرّ"، و"الفرقة السّاحلية الأولى"، و"الفرقة السّاحلية الثّانية"، و"الفرقة الأولى مشاة" بالإضافة إلى "الجيش الثّاني"، و"جيش النّخبة"، و"جيش النّصر"، و"لواء شهداء الإسلام في داريا"، و"لواء الحرّية"، و"الفرقة 23".

لا يوجد إحصائيّةٌ رسميّةٌ لتعداد هذا الجيش وعتاده، لكن هيئة الإذاعة التّركيّة العامّة TRT تقول: إنّ مجموعةً من نحو 60 ألف مقاتلٍ. بحسب ما ورد في تقرير (BBC)

تسيطر تركيا على عدّة مناطق في شمال سوريا تضمّ عدّة مدنٍ مثل جرابلس وإعزاز والباب وكامل منطقة عفرين، بالاضافة إلى سيطرتها على مدينتي تلّ أبيض ورأس العين عبر عمليّةٍ عسكريّةٍ أطلقت عليها "نبع السّلام" في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ومع توسيع تركيا سيطرتها في شمال سوريا ازدادت حاجتها إلى تجنيد المزيد من المقاتلين السّوريّين للقتال إلى جانبها في كلٍّ من سوريا وليبيا حيث بدأت بإرسال دفعاتٍ من هؤلاء المقاتلين إلى ليبيا.

تركيا تستقطب المقاتلين السّوريّين بالإغراءات الماديّة

استقطبت تركيا المقاتلين السّوريّين الّذين تمّ تجنيدهم ضمن فصائل "الجيش الوطنيّ" من خلال دفع رواتب مغريةٍ لهم في ظلّ الوضع الاقتصاديّ والمعيشيّ السّيء الّذي يعيشه أغلب السّوريّين بالإضافة إلى امتيازاتٍ أخرى مثل منح جنسيتها لبعضهم وتوفير المساكن لعوائلهم، كما أنّها تركت لهم حرّية التّصرف والقيام بالاستيلاء ونهب ممتلكات الأهالي من سكّان المناطق الّتي تخضع لسيطرتها.

عن تلك الإغراءات التّركيّة يكشف مصطفى سيجري رئيس المكتب السّياسيّ للواء المعتصم عبر تغريدةٍ على حسابه في تويتر بتاريخ 13 آذار/مارس 2018 عن قراراتٍ صادرةٍ عن الحكومة التّركيّة تمثّلت بتقديم منحٍ لعناصر "الجيش السّوريّ الحرّ".

لميزات والمنح الّتي تمنحها تركيا لذوي وعائلات القتلى والجرحى من عناصر الفصائل السّوريّة الّتي تقاتل إلى جانبها في عمليّتها العسكريّة في شمال سوريا بحسب السّيجري تتمثّل في "منح الجنسية التّركيّة لزوجة وأبناء كلّ مقاتلٍ سوريٍّ يقتل في المعارك، أما غير المتزوج فتمنح الجنسية لوالديه، وبالنّسبة للمقاتلين أصحاب الإعاقة الدّائمة فسوف يحصلون على الجنسية التّركيّة، كما أنّها ستمنح عائلة "الشّهيد" شقةً سكنيّةً مجانيةً، إضافةً إلى مبلغٍ ماليٍّ وقدره 30 ألف ليرةٍ تركيّةٍ، أي حوالي (7500 دولارٍ) ، بالإضافة لمنح أصحاب الإعاقة الدّائمة مبلغاً وقدره 15 ألف ليرةٍ تركيّةٍ".

الرّواتب والمنح التّركيّة استقطبت أعداداً من الشّبّان السّوريّين المقيمين في تركيا والمناطق الّتي تسيطر عليها المعارضة السّوريّة بالإضافة إلى العديد من الفصائل المسلّحة الّتي انضمت فيما بعد إلى "الجيش الوطنيّ السّوريّ".

انضمام صهيب السّليم (25عاماً) لصفوف فصيلٍ عسكريٍّ مشاركٍ بالعمليات العسكريّة التّركيّة شمالي سوريا بعد الإغراءات الّتي قدّمتها الحكومة التّركيّة للمشاركين بهذه العمليات، فهو يطمح بمردودٍ ماديٍّ جيدٍ في ظلّ ما تعيشه البلاد من حربٍ وغلاءٍ وقلّة فرص العمل.

يقول صهيب وهو من ريف إدلب مبرّراً انضمامه لصفوف المقاتلين في الجيش الوطنيّ "انضممت للثوار منذ بداية الثّورة السّوريّة المسلّحة، غير أن الفصائل في ريف إدلب راحوا يقاتلون بعضهم، ناسين قضيتهم الأساسيّة، وهو ما دفعني لتركهم والانضمام للجيش الوطنيّ"، لا يُنكر صهيب بأنّ الإغراءات التّركيّة كانت إحدى دوافع انضمامه، ولكنّه بالوقت نفسه مقتنعٌ بالمعارك التّركيّة أكثر بكثيرٍ من أسباب قتال الفصائل لبعضها البعض.

عاصم الحلبي (30سنةً) عنصرٌ في "الجيش الوطنيّ السّوريّ" وأحد المشاركين بالعمليّة التّركيّة “نبع السّلام" يرى بأنّ أهداف العمليّة مشتركةٌ بين الطّرفين سواءً الجانب التّركيّ أم "الجيش السّوريّ الحرّ" ويقول" هو منع الأكراد من إقامة دويلةٍ لهم في الشّمال السّوريّ، والّذي إذا حدث لكان من شأنه تقسيم سوريا إلى دويلاتٍ" ويؤكّد "الأشقاء الأتراك لا يرغبون بالسّيطرة على المناطق الحدوديّة وإنّما تسليمها للجيش السّوريّ الحرّ بعد نجاح العمليّة".

يقرّ بلال العمر (23سنةً) بأنه ثمّة ما هو أهمّ بكثيرٍ من عمليّة نبع السّلام و قتال الكرد السّوريّين، حيث يقول "أهلنا في ريف إدلب الجنوبيّ يقتلون على مرأى العالم أجمع، أليس كان أولى بجيشنا الحرّ والمشارك بعمليّة نبع السّلام التّوجّه إلى هنالك لتخليص أهلنا وتخفيف الضّغوط والمجازر الّتي يرتكبها الأسد وحليفه الرّوسيّ ضدّ المدنيّين والأبرياء".

وبالرّغم ممّا يعتقده العمر إلّا أنّه انضم للعمليّة التّركيّة العسكريّة في شرق الفرات والسّبب كما يبيّنه "لأنّني عاجزٌ عن فعل شيءٍ بمفردي، فضلت الانضمام لعمليّة نبع السّلام، على الأقلّ أساهم بمنع تقسيم سوريا، وبالوقت نفسه أتقاضى راتباً يغنيني وعائلتي الحاجة".

يحصل العمر وزملاؤه من عناصر الفصائل المسلّحة السّوريّة من الحكومة التّركيّة على راتبٍ شهريٍّ يعادل الـ ٧٥ دولاراً أمريكيّاً، أيّ ما يقارب ٨٠ ألف ليرةٍ سوريّةٍ وهو "أفضل راتبٍ شهريٍّ يمكن أن يحصل عليه مقاتلٌ سوريٌّ حتّى اللّحظة" بحسب تعبيره.

تقارير المنظّمات الحقوقيّة تكشف الانتهاكات والجرائم

ما يحصل من انتهاكاتٍ في المناطق الّتي سيطر عليها الجيش التّركيّ وفصائل "الجيش الوطنيّ السّوريّ" يناقض الحجج والشّعارات الّتي ترفعها تركيا وتلك الفصائل.

فتقارير المنظّمات الحقوقيّة المحليّة والدّوليّة تكشف جوانب من السّياسات التّركيّة في شمال سوريا بشكلٍ خاصٍّ في المناطق الكرديّة، والّتي يعتقد الكرد أنّها عمليّة تغييرٍ ديمغرافيٍ عبر دعم بعض الفصائل المتطرفة السّوريّة، الّتي أعادت إحياء ثقافة التّشدّد في المنطقة وارتكبت انتهاكاتٍ، وهجّرت سكّان الكرد في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

قالت منظّمة هيومن رايتس في تقريرها الصّادر في 27 تشرين الثّاني/نوفمبر 2019: إنّ فصائل "الجيش الوطنيّ السّوريّ"، في شمال شرق سوريا، نفذت إعداماتٍ خارج القانون بحقّ المدنيّين ومنعت عودة العائلات الكرديّة النّازحة جرّاء العمليات العسكريّة التّركيّة، ونهبت ممتلكاتها واستولت عليها أو احتلتها بصورةٍ غير قانونيّةٍ.

وقالت هيومن رايتس ووتش: إنّها وثّقت إعدام النّاشطة السّياسيّة الكرديّة هفرين خلف، وما حدث لثلاثة عمال إغاثةٍ تابعين لـ "الهلال الأحمر الكرديّ" فُقِدوا في مناطق سيطرة الجيش الوطنيّ السّوريّ، وإنّها قابلت خمسة مدنيّين أكراد قالوا: إنّ قوّات الجماعة المسلّحة كانت تحتل منازلهم وممتلكاتٍ أخرى، ومنعتهم هم أو عائلاتهم تعسّفيّاً من العودة.

قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشّرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش:" تتغاضى تركيا عن السّلوك المشيّن الّذي تُظهره الفصائل الّتي تسلّحها. طالما تسيطر تركيا على هذه المناطق، عليها تحمُّل مسؤوليّة التّحقيق في هذه الانتهاكات ووقفها".

علي عيسو مدير مؤسّسة إيزدينا وهي مؤسّسةٌ إعلاميّةٌ حقوقيّةٌ ترصد الانتهاكات تنشر كلّ ما يتعلّق بإيزيديّ سوريا يقول: "منذ عامين ونحن نرصد جرائم هذه القوى ضدّ المدنيّين في عفرين، وفي كلّ يومٍ كانت الجرائم تزداد دون أيّ رادعٍ من الحكومة التّركيّة الّتي التزمت الصّمت رغم نداءات منظّماتٍ حقوقيّةٍ دوليّةٍ طالبتها بفتح تحقيقٍ عادلٍ وشفافٍ بالجرائم الّتي تمارسها القوى العسكريّة السّوريّة المواليّة للجيش التّركيّ".

ويسرد علي جرائم الخطف والقتل بحقّ النّساء والفتيات الكرديات الإيزيديات في عفرين من قبل فصائل الجيش الوطنيّ السّوريّ قائلاً " فقط في غضون 11 يومًا بين شهري شباط وآذار المنصرم، قام المتطرفون المدعومون من الجيش التّركيّ، باختطاف فتاتين إيزيدتيين وأرملةٍ إيزيديةٍ، وأسمائهم: آرين حسن، غزالة بطال، كوله حسن، ولا يزال مصيرهم مجهولًا رغم نداءاتٍ حقوقيّةٍ أطلقناها للإفراج عنهم".

ويضيف "هناك فتياتٌ قتلنّ في عفرين بشكلٍ مباشرٍ من قبل متطرفي الجيش التّركيّ وما يسمّى بالجيش الوطنيّ السّوريّ، وهما نرجس دادو الّتي قتلت في نوفمبر 2019 بأكثر من عشر رصاصاتٍ حاقدةٍ على جسدها، وفاطمة حمكي الّتي سبقتها حيث قتلت داخل منزلها في حزيران 2018.

ويبيّن علي عيسو أن لدى مؤسّسة أيزدينا شهاداتٍ لأطفالٍ تعرّضوا للتحرش، وكذلك التّعذيب على يد هذه الفصائل، لكن المؤسّسة امتنعت عن نشر تفاصيلها حفاظًا على أرواح الّذين تضرّروا واكتفت بوضع منظّمات حقوقيّة دوليّة في صورة هذه الجرائم وتحديداً لجنة التّحقيق الدّوليّة المستقلة للأمم المتّحدة.

اعتقالاتٌ وخطفٌ بهدف الحصول على فديةٍ

نشرت منظّمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تقريراً في 10 كانون الثاني/ يناير وثّقت فيه اعتقال ما لا يقلّ 506 شخصٍ بينهم 30 امرأةً و8 أطفالٍ من قبل القوّات التّركيّة، والفصائل السّوريّة التّابعة للحكومة السّوريّة المؤقتة والائتلاف السّوريّ في منطقة عفرين ذات الغالبية الكرديّة، وذلك خلال النّصف الثّاني من عام 2019 بتهمٍ وأسبابٍ مختلفةٍ.
المصدر:مجلة صور