اللجنة الدستورية ومطب

اللجنة الدستورية ومطب "المبادئ"!

Aug 16 2020

فاروق حجي مصطفى
كلنا يعرف أنّ عدم قيام اللجنة الدستورية بعقد أعمالها، ليس سببه تمسك الطرف الحكومي ب "المبادئ الوطنيّة"، إنما السبب الأساسي هو الهروب من الاستحقاقات تحت ستار "المبادئ الوطنيّة"، ويمكن تعميم هذا الأمر على جزءٍ كبيرٍ من المعارضة أيضاً.
في العموم، إنّ الوطنيّة ليس لها تفسيرات متعددة، وهي مثل الحقيقة لها تفسير واحد، وانطلاقاً من هنا، فإنّ من يتهرّب من الإستحقاقات بحجة "الوطنيّة "، فإنّه يتهرّب من حقيقة التغيير، بمعنى إنّه لم يأت إلى "اللجنة "، لأجل صياغة دستور، بل لأجل دستور يحميه هو ولا يحمي الوطن(نقصد الدولة، لأنّ الوطن كمفهوم مرحلة قبل الدولة)، ولعل السبب إنّ الجاهل في عملية الدستور هو من يتحدث عن "المبادئ"، وتحت عنوان "المبادئ الوطنيّة" بمعنى موقع المبادئ في الصيّغ ايديولوجية شيء، وفِي الدساتير شيءٌ آخر؛فالمبادئ في الدساتير واضحة، وهي تحدد في الديباجة، ولعل أولى المبادئ وأعرضها وأطولها: "وحدة واستقلال البلد".

والحال، وما نود قوله، هو إنّ الوجود في اللجنة مسؤوليةٌ وطنيةٌ، وتاريخيةٌ، وأخلاقيّةٌ (أيضاً)، فمن يتواجد في اللجنة عليه أولاً التحرر من البوتقات الحزبيّة، والفئوية، ويصبح أمام مسؤولية كبيرة، بحيث تحمل تعبيرات كل الشرائح المجتمعية والسياسية، فضلاً عن إنّه يقع على عاتق عضو اللجنة التفكير بشكل أعمق، بمعنى عليه النظر إلى وضع البلاد وتحدياتها والمخاطر التي تواجه البلد، والتعدد الذي يزين خارطتها، بحيادية تامة، مجردة من المواقف المسبقة تجاه أي مكون سياسي أو مجتمعي، حتى بوسع هذا العضو التكيّف مع أفكار عامة التي تأتيه عبر الإنخراط المجتمعي لعملية الدستور، ليصل إلى صياغة دستورٍ يعكس صورة البلد، وناسه، ويعبّر عن تطلعات جميع السكان، ويضمن حرية الأفراد.
وكان ليصبح مثار إعجاب لو انطلق كل عضو من الحديث عن مبادئ أخرى، مثل حقوق الإنسان، وفصل السلطات، وأهمية القضاء.
ما يعني إنّ المبادئ في الدستور هي كأساسٍ هندسي لكل عمارة، ، وتكمن روح هذه العمارة في إسقاطاته المحليّة، وذلك تجنباً لظاهرة "كوبي پيست".
بقي القول، إنّ اللجنة تلتئم، بعد أشهر عديدة، وهذا الأمر لوحده مسؤولية كبيرة، إذ يضع الجميع أمام استحقاق تجاوز الحديث عن قشور الأمور والإنتقال إلى جوهر الدستور ( محتوى)، وهذا الأمر فقط هو من اختصاص اللجنة الدستورية، لا الدفاع عن قناعاتٍ مصدرها القاع الفئوي، وغالباً الحزبيّ.