
من «منطقة آمنة»... إلى منطقة عازلة!
حنا صالح*
مباشرة مع انتهاء الاجتماعات الماراثونية الأميركية – التركية في أنقرة بالإعلان أن الجانبين اتفقا على إنشاء «مركز تنسيق مشترك في تركيا بشأن إنشاء المنطقة الآمنة وإدارتها»، حتى انتهت الحملة التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان منذ يناير (كانون الثاني) 2019، ومفادها أن بلاده تعتزم الدخول عسكرياً إلى شرق الفرات لفرض «منطقة آمنة»؛ لأن الأمن القومي التركي على المحك! ولافت جداً تلك البهلوانية التركية التي ابتهجت بالاتفاق – الإنجاز، ورأت فيه اقتراباً أميركياً من الموقف التركي رغم شبه التجاهل الأميركي لكل ما تحقق. ولعل أهم ما تعمدت أنقرة التعتيم عليه هو عدم الإشارة إلى مصير مطالبها الأساسية، وهي: عمق هذه المنطقة وحدود امتدادها، وكيف ستتم إدارتها وبأي قوى؟
لا شك أن الرئيس التركي الذي هدّد أكراد شرق الفرات بأنه سيدفنهم تحت التراب أو عليهم القبول بالذل، كان بأمس الحاجة إلى الحفاظ على ماء وجهه، بعد حالة المراوحة والعجز المطلق عن أي خطوة ميدانية رغم استقدامه الحشود العسكرية التي رابطت على تخوم الحدود السورية، وتجييشه أتباعه من سوريي «الإسلام السياسي» الذين شكلوا واجهة للاحتلال التركي في المنطقة المسماة «درع الفرات»، ولاحقاً في عفرين. ولأن المفاوض الأميركي لم يُسلم بالانتقال التركي إلى التحالف مع روسيا، وهو الجهة التي يستحيل من دون الأخذ برأيها رسم المسار اللاحق للتطورات في سوريا، وجد هذا الطرف أن اللحظة المواتية؛ إذ مجرد التوصل إلى «وعد بالبيع» سيكون كافياً لإرضاء العنجهية التركية! فكان ما يمكن وصفه مجازاً باتفاق «الحد الأدنى» بين الجانبين، ومعروف جيداً أن الرئيس ترمب كان أول من تحدث عن «منطقة آمنة» فور الإعلان الأميركي الأول عن اعتزام الانسحاب الكامل من شرق الفرات.
ولأن تركيا تعرف بالعمق حجم هذا التوافق الذي يوصد الأبواب أمام أي مغامرة عسكرية تركية لاجتياح المنطقة واحتلالها، ما كان سيؤدي إلى شرذمة «قوات سوريا الديمقراطية» وإبعاد «وحدات حماية الشعب» وإضعافها، أطلقت مفهوماً جديداً هو التوافق على إقامة «ممر سلام»، ولهذه التسمية معنى دقيق وبعد تركي واضح، لكنها مع أجواء الابتهاج التي أشاعتها، أطلقت التحذيرات التي عبّر عنها وزير الخارجية أوغلو ومفادها أن بلاده سترفض أي تسويف أو مماطلة من جانب الأميركيين، وواضح أن في ذهن أوغلو اتفاق منبج الذي تم في يونيو (حزيران) 2018 وحتى اللحظة لم يُنفذ وفق القراءة التركية التي تقوم على مبدأ الدخول إلى المدينة، فإذا كانت كذلك نتيجة اتفاق منبج وهي مدينة متوسطة، فكيف يكون الوضع بالنسبة لمنطقة شرق الفرات التي تعادل ثلث المساحة السورية؟
دون أدنى شك، إن تركيا التي تعتبر الاتفاق انتصاراً لها، لن تتخلى عن المطالبة بإخلاء كل المنطقة الحدودية من «وحدات حماية الشعب» الكردية، ولا عن مطلب سحب الأسلحة الثقيلة، ولا عن مطلب مساهمتها العسكرية في الترتيبات الجديدة التي سيخضع لها شمال شرقي سوريا. بالمقابل، لا تمانع واشنطن في مطلب سحب الأسلحة الثقيلة، وهي بأي حال عززت في الأيام الأخيرة من مستوى تسليح «قسد»، والنقاش سيكون مفتوحاً حول المسائل الأخرى. الثابت أن العرض الأميركي هو إدارة منطقة بطول 140 كلم وليس 460 كما تريد تركيا، وأن يقتصر العمق على نحو 15 كلم وليس 35، مع الاحتفاظ بدور في الترتيبات لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، أخذاً بعين الاعتبار حجم الكثافة السكانية الكردية، وأن يبقى خارج البحث وضع المدن الحدودية ذات الرمزية الكبرى مثل عين العرب - كوباني والقامشلي والحسكة، التي سيكون لها ترتيبات داخلية مشابهة للوضع في منبج.
بهذا المعنى تبدو الرؤية الأميركية أقرب إلى إقامة «منطقة عازلة» من «منطقة آمنة»، وفي شمال شرقي سوريا داخل الأراضي السورية، فتُحقق أنقرة مطلبها بعدم تهديد حدودها (...)، وبالأساس فإن «قسد» التي خاضت أطول حرب ضد إرهاب «داعش»، وهي حرب من المبكر الجزم أنها انتهت، لم تهدد يوماً الأراضي التركية، وما الاستهداف المتكرر من القيادة التركية للبيئة الكردية - السورية المتحالفة مع الأميركيين، إلا محاولة من الرئاسة التركية التي تراهن من خلال هذا الاستهداف الهرب من الكمً الكبير من المشاكل الداخلية التركية.
ولأن حكام تركيا يدركون حقيقة الاتفاق وجوهره باشروا الترويج لفكرة «ممر السلام»، وهي فكرة لا يمكن معارضتها، خصوصاً أن أنقرة تتحدث عن التحضير لبدء عودة واسعة من اللاجئين السوريين من تركيا. ويتزامن هذا الطرح من جهة مع التطورات السلبية التي تحيط بوضع اللاجئين السوريين هناك حيث يبدو أن مرحلة الاستثمار بورقة اللجوء لم تعد صالحة. لكن أن تكون تركيا قد حالت دون عودة الكثيرين إلى منطقة «درع الفرات»، حيث تحتل ما يعادل 10 في المائة من المساحة السورية بينها جرابلس والباب وأعزاز وسواها، وتنفذ أوسع سياسة تتريك تبدأ بالتعليم وتشمل الوظائف والإنتاج الاقتصادي... فإن ما يشاع عن رغبة تركية في إعادة نحو مليون لاجئ إلى شرق الفرات، يطرح الأسئلة ويثير الهواجس؛ ذلك أن تركيا تريد تكديس أعداد كبيرة من اللاجئين، ومن ضمنهم وحدات من «الجيش الحر» المرتبط بالجيش التركي، بحيث يتحول «ممر السلام» هذا إلى حزام عازل، تتم الاستفادة منه في التوقيت التركي المناسب!
كل الخطط مكشوفة، وما من أمر يؤكد رسوخ منحى نهائي، لكن الثابت اليوم بالنسبة للأميركيين الذين لم يتخلوا عن هاجس إعادة ترتيب العلاقات الأميركية - التركية أمران:
- الأول سحب الفتيل التركي لعمل عسكري أُحادي في شرق الفرات، وهذا أمن وأراح الوضع الكردي؛ لأن الحواضر المدنية الأساسية ستبقى بعيدة عن الأطماع التركية.
- الثاني وهو نجاح النفس الطويل الأميركي لتوفير تفاهمات جزئية مع تركيا، تفاهمات تلجم الاندفاعة التركية إلى المحور الروسي، وهو أمر تعول عليه واشنطن للضغط أكثر على موسكو، سواء لجهة العودة إلى مسار جنيف لتسوية الأزمة السورية، أو لتشديد الخناق أكثر على الحرس الثوري والميليشيات التابعة له في سياق الضغط الأميركي المعلن لإخراج الوجود الإيراني من سوريا.
*كاتب لبناني.
المصدر:الشرق الاوسط
-
اختتام فعاليات المنتدى السياسي باصدار بيان ختامي وتشكيل لجنة مؤلفة من 5 أشخاص
Dec 12 2019 -
كاميران حاجو لـبرجافFM: الجانب الروسي يؤكد دعمه لحقوق المكونات القومية والدينية وهذا ما بحثناه في لقائنا معهم
Dec 12 2019 -
المؤسسة بارزاني الخيرية في إقليم كردستان أرسلت حتى الآن 200 شاحنة مساعدات إلى روجآفا وهي الدفعة السادسة
Dec 11 2019 -
«الإدارة الذاتية» تطالب موسكو بالضغط على دمشق
Dec 11 2019 -
دمشق تطلق حملة «العصا والجزرة» مع القامشلي
Dec 10 2019 -
ندوة لحزب سوريا المستقبل للتعريف بالعنف ضد المرأة وما تتعرض له السياسيات من عنف جسدي
Dec 08 2019 -
موسكو ودمشق و«الدستورية»: شقوق شكلية وتوافقات جوهرية
Dec 08 2019 -
عمر كالو يدون ملحمة باللاتينية
Dec 08 2019 -
انقطاع أخبار عن الصحافي همبرفان كوسه بعد احتجاز ه في مطار كوالالمبور / ماليزيا
Dec 08 2019 -
استمرار توزيع مازوت التدفئة على الأهالي وتخصيص 400لتر لكل عائلة
Dec 03 2019
-
جمهورية شرق الفرات
Oct 14 2018 -
أولويات التفاوض كُردياً: الحفاظ على نظام الإدارة الذاتية، وعفرين:
Aug 14 2018 -
تقزيم المسألة السورية في قالب (صياغة الدستور)
Aug 15 2018 -
المحلل الإقتصادي خورشيد عليكا لبرجاف: الضغط على البنك المركزي ليس حلاً..والأزمة تتفاقم!
Aug 14 2018 -
ورحلت القامة: رحيل الرجل الشجاع
Aug 21 2018 -
الدنمارك: ستة وجوه من حَمَلَةِ شهادات الماجستير على خشبة التكريم الكُردية.
Oct 17 2018 -
(الإصابة بالتوحد) أسبابها وأعراضها وكيفية االمساعدة على تحسن حالة الطفل التوحدي
Sep 01 2018 -
اختطاف المحامي ياسر السليم من كفرنبل بعد دعوته التعايش مع الدورز والكُرد وأهل الفوعة
Sep 22 2018 -
الجانب الآخر من قضية "خاشقجي"
Oct 12 2018 -
أختار نادي المدى للقراءة..
Sep 07 2018